القائمة الرئيسية

الصفحات

الفرق بين الشركةوالمقاولة



في إطار محاولة التأصيل القانوني لمفهوم المقاولة على مستوى قانون الشركات، يتعين تحديد العلاقة القائمة ما بين المقاولة والشركة (الفقرة الأولى) قبل التطرق لشركة المسؤولية المحدودة ذات الشريك الوحيد كأحد المقاولات الفردية (الفقرة الثانية).

 

المحور الأول : أوجه الاختلاف بين المقاولة والشركة

                                                       

  الشركة كما هو معروف هي عبارة عن تنظيم جماعي كما تدل على ذلك تسميتها، تهدف إلى تحقيق الربح ،ويعتبر عملها تجاريا بالشكل- باستثناء شركة المحاصة-وقد ذهب البعض إلى اعتبار الشركة قبل كل شيء هي عبارة عن تنظيم قانوني للمقاولة.

  والشركة يمكن القول أنها عبارة عن مقاولة منظمة تعتد وسائل بشرية ومادية بهدف تحقيق الربح، وهي مقاولة جماعية، ولعل ما يميزها عن المقاولة الفردية، في كون هذه الأخيرة لم يعترف لها المشرع المغربي بالشخصية المعنوية على خلاف القانون الجرماني الذي يؤمن بتجزئة الذمة إلى ذمة شخصية لحاجيات الفرد وعائلته، وذمة التخصيص الخاصة بنشاطه، هذا بخلاف الشركة حيث كقاعدة تتمتع بالشخصية المعنوية وذلك منذ تاريخ تسجيلها بالسجل التجاري.

وفي إطار الحديث عن علاقة مفهوم المقاولة بالشركة، تجدر الإشارة إلى أن الفقه والقضاء اعتبر أن فكرة المقاولة هي الأصلح لبلورة عنصر المصلحة الاجتماعية؛ ويمكن القول بأن تطور الموقف القضائي في هذا المجال أخذ ثلاث صور في أزمنة مختلفة، في الصورة الأولى كانت المحاكم تستعمل فكرة المقاولة؛ ليس بدلالتها الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة، ولكن كمصطلح مرادف للشركة، وفي الصورة الثانية دخل العنصر الاقتصادي في الاعتبار فكان القضاة يؤيدون أو يبطلون المداولات المطعون فيها بحسب ما إذا كان من شأنها تحقيق الرفاهية القصوى للشركة Prospérité extraordinaire de l’entreprise أو مواجهة بعض المصاعب المحتملة أو المصاريف الطارئة.

أما الصورة الثالثة التي تبين الاقتراب الكبير من منطقة المقاولة فقد تمثلت في بعض الأحكام-رقم قلتها- تميزت بكونها جمعت ما بين العنصر الاقتصادي-أي المصلحة الاقتصادية العامة للشركة؛ والعنصر الاجتماعي أي مصلحة العاملين والمستخدمين وقد بدأت هذه المرحلة الهامة مع واحد من أشهر القرارات القضائية الفرنسية في التاريخ المعاصر، وهو قرار قضية شركة فروهوف، وبعده كان هناك قرار قضية شركة سوبيكي كسغران.

 

المحور الثاني: أوجه شبه شركة المسؤولية المحدودة ذات الشريك الوحيد والمقاولة الفردية

 

بداية تجدر الإشارة إلى أن إذا كان المشرع المغربي، يتحدث عن شركة المسؤولية المحدودة ذات الشريك الوحيد، فإنه حسب الأستاذ بنستي “فإننا نحبذ تسمية المقاولة الفردية ذات المسؤولية المحدودة ، عوض الشركة الفردية ذات المسؤولية المحدودة، وذلك لأنه لا يعقل عقلا ومنطقا وقانونا تأسيس شركة برجل واحد يكون المرء فيها شريك نفسه…..“.

    وتعتبر ألمانيا من أولى الدول التي عرفت هذا الشكل الجديد من الشركات؛ وقد لقيت انتشارا كبيرا في هذا البلد، وإذا كان  الفضل في ابتداع هذا الشكل من الشركات يرجع إلى القانون الألماني، فمرد ذلك أن هذا القانون يأخذ بما يعرف في الفقه الألماني بمبدأ تخصيص الذمة d’affectation patrimoine  والتي تقابل ما يعرف في الفقه اللاتيني عموما والفرنسي على وجه الخصوص بمبدأ وحدة الذمة l’unité du patrimoine.

حسب الفقه المغربي، فإن هذا الشكل الجديد من الشركات ذات المسؤولية المحدودة ولكن بشريك واحد قد أتت وليدة الظروف الاقتصادية الراهنة، وذلك قصد النهوض بالمقاولات الصغيرة والمتوسطة والتي تعتبر إحدى الأدوات والحوافز للدفع بعجلة الاقتصاد إلى الأمام لما تتميز به من ليونة تؤهلها للتكيف مع المتغيرات ولقدرة أربابها على الخلق والإبداع والابتكار في ظل اقتصاد ليبرالي تنافسي وعصري، يراهن فيه على القطاع الخاص وعلى حرية المبادرة.

بالإضافة إلى أنها تعد تقنية قانونية تسهل نقل أو التخلي عن المقاولة على إثر إحالة رب المقاولة على التعاقد، وكذلك الإبقاء على المقاولة رغم وفاة الشريك الوحيد، إذ لا تحل هذه المقاولة بوفاة الشريك الوحيد، ما لم ينص النظام الأساسي على خلاف ذلك.

فهناك عدة اعتبارات اقتصادية أدت إلى ظهور هذه الشركة، وهذه الاعتبارات ناتجة بالدرجة الأولى عن إصلاح المقاولة ذاتها، ذلك أن القانون التجاري لم ينظم الإطار القانوني للمقاولة الفردية والتي تكتسي صفة مقاولات صغيرة ومتوسطة، حيث لا يوجد نظام أساسي خاص بهذه المقاولات، ولكن فقط مجرد النظام المتعلق بالتاجر الفرد ، مما ينتج عنه أن الأصل التجاري والذي يعتبر مالا منقولا معنويا ومتميزا  يتكون من ضم عناصره بعضها إلى بعض، يعتبر هو الركيزة القانونية التي تستند عليه المقاولة رغم ما في هذا الركيزة من قصور وعدم التكيف مع المستجدات ، زيادة على مخاطر المسؤولية المطلقة والتضامنية الناشئة عن استغلال الأصل، بل حتى بعض الأشكال التقليدية لشركات المساهمة والشركات ذات المسؤولية المحدودة، فإنها لا تلاءم هذه المقاولات الصغيرة والمتوسطة نظرا لتكاليفها الباهضة ولإجراءاتها الطويلة والمعقدة.

وعليه تبقى المقاولة الفردية المحدودة المسؤولية والتي تمكن من فصل ذمة المقاول هي الشكل الملائم لهذه المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مع الأخذ بعين الاعتبار الدور الفعال للمقاول داخل المقاولة والذي يعتبر مسؤولا عنها، هذا بخلاف الأصل التجاري والذي وإن كان يعد مقاولة فردية، فإن المسؤولية الشخصية والمطلقة كانت من أبرز سلبيات هذه المقاولة الفردية بخلاف المقاولة الفردية ذات المسؤولية المحدودة.

 

تعليقات

التنقل السريع