القائمة الرئيسية

الصفحات

التزامات طرفي عقد الشغل الاجير والمشغل




 التزامات طرفي عقد الشغل الاجير والمشغل


     يترتب عن عقد الشغل باعتباره من العقود الملزمة للجانبين، اثار بالنسبة الى الاجير واخرى بالنسبة إلى مشغله، فما يلتزم به الاجير يعد حقا لمشغله، وما يلتزم به هذا الاخير يعد حقا للأجير، حيث ان تنفيذ عقد الشغل يقتضي القيام بكل ما يفرضه من التزامات على طرفيه، بالإضافة الى التقيد بالمقتضيات القانونية الآمرة.

      هذا، ويقع على المشغل الالتزام بالوفاء بالأجر ومنح اجرائه الراحة الاسبوعية والراحة في ايام العطل وكذا العطل السنوية المؤدى     عنها، فضلا عن التزامه بضمان الصحة والسلامة داخل اماكن العمل، مقابل التزام الاجير بأداء العمل مع احترامه لجملة من الالتزامات.

    وبالتالي، فتنفيذ عقد الشغل، ينصرف بالأساس لحرص الأجير على تنفيذ جانبه من الالتزامات اضافة لتنفيذ المشغل لجانبه من الالتزامات او كل منها بحسن النية.


    


    على ضوء ما سبق، تكمن اهمية الموضوع في اعتبار تنفيذ عقد الشغل هو المرجعية الأساسية لتحديد وضبط دائرة أطراف عقد الشغل لما تحتله علاقة الأجير بالمشغل من مكانة خاصة مقارنة مع باقي العقود، كما تبرز مكانة الشغل في حياة الفرد من اجل تحقيق الاستقرار الاجتماعي من جهة، ومكانة الاجير واهميته داخل المقاولة لضمان ممارسة نشاطها من اجل تحقيق الازدهار الاقتصادي.


    وفي ظل الأهمية التي يكتسيها الموضوع، فإنه يثير اشكالية اساسية وهي:




الى اي حد استطاع المشرع المغربي تنظيم التزامات طرفي عقد الشغل بما يضمن تحقيق نوع من التوازن بين مصالحهما ؟


هذه الإشكالية بدورها تحيلنا على العديد من الأسئلة الفرعية من قبيل:




ما هي أبرز التزامات طرفي عقد الشغل  ؟


وما هي التعديلات التي يمكن أن تلحق عقد الشغل خلال هذه المرحلة؟ وما هي أثر هذه التعديلات؟


ما هو أثر الشروط التي يمكن أن تضمن في عقد الشغل ؟ 


وما هي أبرز الإشكالات المتعلقة بها؟


وماهو أثر جائحة كورونا على التزامات طرفي عقد الشغل عقد الشغل؟


    وللإجابة عن الإشكالية المطروحة ومختلف الإشكاليات الفرعية سنعتمد المنهجين التحليلي والمقارن، وبما أن سريان وتنفيذ عقد الشغل هو إنتاجه لأثاره القانونية والمتمثلة في إلزام طرفيه بقيامهما بالتزاماتهما فإننا سنحاول معالجة الموضوع بالاعتماد على خطة البحث التالية:


المبحث الأول: التزامات الاجير الناتجة عن عقد الشغل 


المبحث الثاني: التزامات المشغل في إطار عقد الشغل 




المبحث الاول: التزامات الاجير الناتجة عن عقد الشغل 

     يقع على الاجير مجموعة من الالتزامات سواء اثناء تنفيذ عقد الشغل (المطلب الاول)، أو بمناسبة عقد الشغل (المطلب الثاني).

المطلب الاول: التزامات الاجير اثناء تنفيذ عقد الشغل 

      من التزامات الأجير أتناء تنفيد عقد الشغل أداء العمل المتفق عليه و الامتثال لأوامر المشغل (الفقرة الأولى) والمحافظة على أدوات العمل ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الاولى: اداء العمل المتفق عليه و الامتثال لأوامر المشغل 

اولا : أداء العمل المتفق عليه 

      يجب على الاجير ان يؤدي عمله بصفة شخصية مادام قد التزم بذلك، ولذلك فهو يكون مسؤولا في اطار شغله مسؤولية شخصية عن فعله او اهماله او عدم تقصيره او عدم احتياطه وفقا لما تقضي به المادة 20 مدونة الشغل .

     الالتزام بأداء العمل من طرف الاجير يعتبر عنصرا جوهريا في عقد الشغل، حيث لا يمكن تصور قيام عقد الشغل دون قيام الاجير بالعمل المتعاقد بشأنه لصالح المشغل.

     هذا ، ولا يلزم الاجير بأداء العمل فعلا لكي نكون  امام تنفيذ فعلي لالتزامه،  بل يكفي تواجده في مكان العمل و استعداده  للعمل لاعتبار العقد قائما وذلك حتى ولو لم يؤديه لسبب خارج عن ارادته .

وكما سلف الذكر، فلكي يعتد قانونا بالتزام الأجير بأداء العمل يجب على هذا الأخير أدائه بشكل شخصي دون ان ينيب غيره في ذلك ، والعبرة من ذلك وانا شخصية الأجير وكفاءته وخبرته هي التي دفعت المشغل للتعاقد معه.

ثانيا : الامتثال للأوامر التبعية 

       حسب المادة 21 من مدونة الشغل، فانه يمتثل الاجير لأوامر المشغل في نطاق المقتضيات القانونية او التنظيمية او عقد الشغل او اتفاقية الشغل الجماعية أو النظام الداخلي لأخلاقيات المهنة، وهذه التبعية تعني ان الأجير تابع للمقاولة وليس لشخص المشغل في الوضعية القانونية للمقاولة ولذلك فإن أي تأثير في الوضعية القانونية للمقاولة لا يؤثر على استمرارية عقد الشغل وفقا لما تقضي به المادة 19 "...

      كذلك المجلس الاعلى في قرار صادر سنة 1990، جاء في القرار" ان أي تغيير في الوضعية القانونية يجعل الشركة الخاصة تتحمل بكل العمال الذين كانوا يعملون بالفندق الذين الذي كان تبعا للسكك الحديدية .

      ولكن تطبيق هذه المادة يبقى رهينا بعدم تغيير نشاط المقاولة لأنه في هذه الحالة الأخيرة قد نكون امام استحالة التنفيذ اذا كان النشاط الجديد للمقاولة لا يتناسب مع ما يمكن ان يقوم به الاجير من نشاط، كما ان ذات المبدأ رهين احترامه بإمكانية استمرارية المقاولة قانونيا اذ قد تتطلب شروطا لا تتوفر في الشخص الذي انتقلت إليه كالصيدلة و المصحة.

     وخاصية التبعية تطرح بعض الاشكاليات في حالات الالتحاق والعمل المؤقت.

اشكال وضعية الالحاق : 

      تظهر هذه الحالة في التحاق الأجير برضاه للعمل لدى مقاولة اخرى وفي هذه الحالة نتساءل عن تبعيته وعن مصير عقد الشغل الذي يربطه بالمقاولة الاصلية.

     القضاء المغربي في احد قراراته اجاب على هذا الاشكال على انه "عندما يقبل الأجير ان يلحقه مشغله الاصلي بمشغل اخر يمكن لهذا الاخير ان يجعله حدا لهذا الألحاق دون ان يكون ذلك فسخا لعقد الشغل وتبقى العلاقة التعاقدية مع المشغل الاول قائمة " 

إشكال وضعية الأجير المؤقت :

     هنا نتساءل عن وضعية الأجير الذي تم تشغيله عن طريق مقاولة التشغيل المؤقت ، هل هو تابع لهذه الاخيرة أم أنه تابع للمقاولة المستعملة ؟

     حسب المادة 295من مدونة الشغل نجدها تنص على ان " مقاولة التشغيل المؤقت تشغل هؤلاء الاجراء – المؤقتين – مع أداء اجورهم والوفاء بكل الالتزامات القانونية الناشئة عن عقد الشغل .

     وبالرجوع للمادة 504 من مدونة الشغل فهي تنص "تكون المقاولة المستعملة مسؤولة مسؤولية على تأمين هؤلاء الاجراء ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية ".

     للجواب عن ذلك نقول بأن هؤلاء الاجراء هم تابعون تعاقديا للمقاولة  التشغيل المؤقت رغم خضوعهم في عملهم  للمقاولة المستعملة إذ يمكن لهذه الاخيرة ان تقوم بفصلهم من عملهم اذا ارتكبوا اخطاء جسيمة .وهذا يعني ارجاعهم الى مقاولة التشغيل المؤقت .اما عن التزام المقاولة بتأمينهم ضد حوادث الشغل فهذا يجد اساسه في نظرية المخاطر المهنية وليس بناء على علاقة التبعية .

الفقرة الثانية : المحافظة على ادوات العمل

      بناء على مقتضيات المادة 22 مدونه الشغل، فانه يجب على الاجير المحافظة على الاشياء والوسائل المسلمة إليه للقيام بالشغل، مع ردها بعد انتهاء الشغل الذي كلف به ، لذلك فإنه يسال عن ضياع الاشياء والوسائل السالفة ،  او تلفها اذا كان سبب الضياع أو التلف راجع الى خطأ الأجير نفسه .يسأل كذلك الأجير اذا استعمل الأشياء أو الوسائل خارج أوقات العمل أو في الشغل المعدة .

     غير انه يلاحظ ان المشرع اعفى الاجير من مسؤولية الضياع او التلف في حالة القوة القاهرة او الحدث الفجائي .

     واذا كان يجب على الأجير ، المحافظة على الأشياء والوسائل المسلمة إليه للقيام بالشغل ، مع ردها بعد انتهاء الشغل الذي كلف به ، فإن إلحاق أي ضرر جسيم بها او بغيرها  من التجهيزات او الآلات او المواد الأولية، بصفة عمدية ، أو نتيجة إهمال فادح يعتبر بمثابة  خطا جسيم يمكن ان يؤدي الى الفصل عن العمل 

        في هذا المنحى جاء في احد قرارات الغرفة الاجتماعية بالمجلس الاعلى  الصادر بتاريخ 15 اكتوبر 1996 على أنه وحيث تبت صدق ما عبته الوسيلة ذلك ان المادة 22 مدونة الشغل تلزم الاجير بالمحافظة على الاشياء التي تسلم اليه لإنجاز الشغل، وتعتبر المادة 39 من نفس القانون مرتكبا لخطا جسيم اذا ألحق الضرر بالات العمل الناتج عن فعل متعمد او إهمال خطير.

      في نفس المنحى ذهب المجلس الاعلى في قراره بتاريخ 1 فبراير 2005"لكن حيث ان الطاعن اقر باستعماله هاتف المصلحة لحسابه الخاص كسائر العمال دون اثابته لما يسمح بذلك لأن الاصل ان ادوات العمل تستعمل فقط اثناء العمل ولفائدة المشغل وان استعمالها للمصلحة الشخصية للأجير دون ترخيص يجعل الطرد الذي تعرض له الاجير مبررا ولا مجال للقول لوجود اي طرد تعسفي. 

المطلب الثاني: التزامات الاجير بمناسبة عقد الشغل

      سنتحدث في هذا الشأن عن الالتزام بعدم المنافسة (الفقرة الاولى)، ولاحقا الالتزام بعدم ارتكاب الأخطاء الجسيمة وغير الجسيمة (الفقرة الثانية).

الفقرة الاولى: الالتزام بعدم المنافسة

  بتفحصنا مدونة الشغل لم نعثر على نص قانوني يلزم الاجير بعدم منافسة مشغله. لكن ذلك لا يعني انه متحلل من هذا الالتزام، فالالتزام بعدم المنافسة تقضيه اخلاقيات المهنة التي يلتزم الاجير باحترامها  .

 وقد يحدث في الكثير من الحالات ألا يكتفي المشغل بهذا الالتزام القانوني الذي يقع على عاتق أجيره على اعتبار أنه لا يتمتع الأجير بعد انتهاء عقده أو فسخه من ممارسة ذات النشاط الذي يمارسه،  مع ما يمثله ذلك من خطورة عليه، إذا تمكن الأجير بحكم عمله لديه من الاطلاع على أسرار العمل، ومصرفة عملائه، مما قد يدفعه إلى إنهاء عقده مع مشغله بغية الاستفادة مما اطلع عليه من أسرار العمل، وذلك في نشاط مستقل يقوم به منافسا بذلك مشغله، لذلك يلجأ هذا الأخير إلى طريقة أخرى أكثر فعالية تتضمن له الحماية حماية أكبر،  تتمثل في تضمين عقد الشغل شرطا بعدم المنافسة.

على ضوء ما سبق، فالتزام الأجير بعدم المنافسة لا يعتد به من قبل المشغل إلا إذا كان هناك شرط اتفاقي بين طرفين بذلك، فالالتزام لا ينتج بقوة القانون ويحرم تلقائيا على الأجير منافسة مشغله. سواء أثناء العقد أو بعد انتهائه أو فسخه، وإنما مصدره الشرط الاتفاقي، لهذا، فإذا لم يكن هناك شرط اتفاق بين الطرفين على الالتزام بعدم المنافسة، فالأجير يكون حرا في ممارسة ما يشاء من الأعمال، حتى ولو كانت فيه منافسة لمشغله.

وفي هذا الاطار جاء في قرار المجلس الأعلى  وحيث أثبتت الطاعنة أن المطلوب في النقض أسس شركة مماثلة لها، تهدف نفس الهدف تحت اسم "سيتكو" وذلك بواسطة نسخة من القانون الأساسي للشركة المذكورة، وحيث إن ما قام به المطلوب في النقض يشكل خرقا صريحا  لما التزم به في الفصل 12 من عقد العمل المبرم  بينه وبين مشغلته، شركة "سوميت" كما يشكل خطأ جسيما يبرر طرده من طرف الشركة المذكورة طبق نفس الالتزام ...".

وهكذا، فالمشرع  المغربي، ورغم إجازته بتضمين العقود شرطا المنافسة، فإنه وحفاظا على مبدأ الحرية التعاقدية وضع لذلك شرطين لا يجب مخالفتهما، أحدهما يقيد  المنع من المنافسة من حيث الزمان، بحيث يجب أن يكون هناك تحديد للمدة التي سيحرم فيها الأجير من ممارسة نشاطه، وثانيهما يقيد المنع من حيث المكان، أي أنه يتعين أن تحدد المنطقة أو المكان الذي يمنع فيه على الأجير ممارسة نشاطه، فشرط عدم المنافسة محدد من حيث الزمن والمكان بل ويمكن أن نضيف حتى نوع العمل على القدر الضروري واللازم لحماية مصالح الشغل المشروعة.

وفي هذا الصدد  جاء في قرار محكمة النقض أن شرط عدم المنافسة يجب أن يتضمن التحديد من حيث الزمان والمكان وإن انعدام إحدى هذين التحديدين يجعل الشرط باطلا وغير مرتب لأي أثر. لا يحق للمحكمة تحديد مكان المنع من مزاولة الأجير للعمل تطبيقا لشرط عدم المنافسة من تلقاء نفسها  .

غير أن اشتغال الأجير بعد انتهاء عقد الشغل لحسابه الخاص في نفس مجال عمل مشغله القديم لا يجب أن يندرج ضمن المنافسة طالما تقيد الأجير بالشروط القانونية الزمانية والمكانية المقررة لفتح مقاولة أو محل تجاري. وإلا فإن القول بغير ذلك يعتبر مسا بمبدأ حرية الشغل. 

الفقرة الثانية :  التزام الأجير بعدم ارتكاب الأخطاء الجسيمة وغير الجسيمة

إن الأجير بمجرد دخوله في علاقة عمل فإنه تقع على عاتقه مجموعة من الالتزامات التي يجب عليه أن يحترمها، وفي حالة عدم احترامه لهذه الالتزامات فإن المشرع خول المشغل الحق في تأديبه وذلك حسب خطورة هذا الاخلال.

اولا : التزام الأجير بعدم ارتكاب خطأ جسيم

 حسب المادة 81 من مدونة الشغل يترتب عن ارتكاب الأجير لخطأ جسيم منح المشغل إمكانية فصله عن العمل دون حاجة إلى مراعاة أجل الاخطار أو منحه تعويض عن الفصل أو الضرر.

تعتبر بمثابة أخطاء جسيمة يمكن أن تؤدي إلى الفصل، الأخطاء الواردة على سبيل المثال في المادة 39 من مدونة الشغل، تتمثل فيما يلي:

افشاء أسرار المؤسسة أو المقاولة

من الالتزامات الأساسية التي يفرضها القانون على الأجير، ضرورة التقيد بعدم إفشاء أسرار المؤسسة التي يشتغل فيها، وعدم إفشاء الوسائل والمعلومات والأساليب الخاصة المستعملة من طرفها، والتي أمكن له الإطلاع عليها بسبب الشغل، لذلك فإن عدم تقيد الأجير بهذا الالتزام، وقيامه بإفشاء أسرار المؤسسة المشغلة يعتبر خطأ جسيما، متى نتج عنه ضرر للمقاولة، فإفشاء السر المهني لا يعتبر في حكم المادة 39 من مدونة الشغل يبرر الفصل عن العمل إلا إذا نتج عنه ضرر للمقاولة. ولا يمكن أن يؤدي إلى الفصل عن العمل، مع ملاحظة أن عدم احترام الأجير لهذا الالتزام في المؤسسات الصناعية، لا يثير فقط المسؤولية المدنية وإنما أيضا المسؤولية الجنائية.

وإذا كان الأجير ملزم بعدم إفشاء السر المهني، فإن هذا الالتزام لا يقع على عاتقه أثناء تنفيذ العقد فقط، بل يستمر حتى بعد انتهائه .

بقي أن نشير أن إفشاء سر نتج عنه ضرر للمقاولة يعتبر خطأ جسيم يمكن أن يؤدي إلى الفصل، بل ويوجب علاوة على ذلك تعويض الضرر الناتج عنه. وهو ما أكده قرار المجلس الأعلى على أنه "نعم حيث صح ما نعته الوسيلة على القرار المطعون فيه، ذلك أنه بمقتضى الفصل 12 من العقد المبرم يبين الطاعنة والمطلوب في النقض ، يلتزم هذا الأخير جملة ما إلتزم به، بإفادة الشركة بجميع نشاطه المهني، ويمنع عليه إشاعة أي إيضاح أو بيان على سير الشركة أو الوسائل الخاصة المستعملة من طرفها، أو استخدام هذه المعلومات والأساليب لفائدة مصلحته الشخصية، ولو حتى بعد انتهاء مدة العقد، وكل مخالفة لهذا الالتزام تعتبر خطأ جسيم لا يبرر فحسب الطرد فورا، بل يوجب علاوة على ذلك تعويض الضرر الناتج .

التغيب عن العمل بدون مبرر مشروع 

       إن التزم الأجير بالعمل وعدم التغيب عن العمل تفرضه أخلاقيات المهنة، يعتبر من الأخطاء الجسيمة، التي تخول للمشغل الحق في فصله بدون أي تعويض، وذلك متى قام هذا المشغل بإنذار الأجير المتغيب بدون مبرر بالرجوع إلى العمل، ولم يثبت أنه التحق بعمله، أو أنه عرض نفسه على مشغله .

والتغيب لا يعتبر خطأ جسيم مبرر الفصل إلا إذا كان لأكثر من أربعة أيام، أو ثمانية أنصاف يوم خلال الاثني عشر شهرا، بحيث أن التغيب لمدة تقل عن تلك المحددة أعلاه، وإن كانت مخالفة تأديبية، فإنه لا يرقى إلى المخالفة الجسيمة.

        وإذا كان تغيب الأجير بدون مبرر مشروع، ولسبب يعود إليه يعتبر خطأ تأديبيا، مخولا الحق للمشغل في تأديبه، هذا التأديب الذي قد يصل إلى حد الفصل عن العمل بدون أي تعويض، فإن السؤال يطرح في حالة تغيب الأجير لأسباب خارجة عن إرادته.

        هنا محكمة الاستئناف بالقنيطرة ، جاء في قراراها على انه " وحيث إن المحكمة بعد اطلاعها على وثائق الملف، تبين لها أن سبب فصل المستأنف من عمله يعود إلى التغيبات عن العمل، وذلك لكونه كان معتقلا سبب ارتكابه جنحة السكر العلني، حسب نسخة الحكم الجنحي المدلى بها بالملف وحيث إن ما أقدم عليه المستأنف يعتبر خطأ جسيما ويستحق عنه الطرد بدون تعويض".

      وحسب المادة 38 من مدونة الشغل المشرع قيد سلطة المشغل في توقيع العقوبة التأديبية، حيث ألزمه اتباع مبدأ التدرج في العقوبة ، فلا يلجأ إلى عقوبة أشد إلا بعد استنفاذ الأخف  مع حق اللجوء إلى الفصل كعقوبة نهائية إذا استنفذت جميع العقوبات الأدنى منها داخل السنة  حيث يعتبر الفصل عندئذ مبرر .

ثانيا : التزم الأجير بعدم ارتكاب خطأ غير جسيم

اكتفى المشرع بإعطاء أمثلة الأخطاء الجسيمة، ويمكن القول هي قد تكون نفسها الأخطاء غير الجسيمة لكن تكون أقل خطورة وجسامة من الأخطاء الجسيمة، وبالرجوع إلى المادة 37 من مدونة الشغل المشرع حدد عقوبات تطبق من طرف المشغل على الأجير المخل بإلتزامه إخلالا غير جسيم وهي على الشكل التالي:

+ الانذار: هو أخف العقوبات التأديبية التي يمكن للمشغل إيقاعها من ضمن سلطاته يقصد منه تنبيه الأجير إلى المخلفات التي ارتكابها وتمديده بتوقيع عقوبة أشد في الحالة التي يكرر فيها نفس المخالفة.

غير أن من باب احترام حقوق الإجراء في التّأديب يجب أن يتم الانذار وبشكل كتلبي كما حددت ذلك المادة 63.

التوبيخ الأول: يعتبر بمثابة عقوبة تأديبية عما سبق أن أنذر عليه الاجير  وتمادى مع ذلك في اقترافه فلا تترتب عليه أي خسارة عادية مباشرة لكي تؤثر بطريقة غير مباشرة في الحياة المهنية ،فإنه يؤثر في حالة الترقية وفي حالة تحديد مناصب المسؤولية.

التوبيخ الثاني: وهو توقيف الأجير عن العمل لمدة 8 أيام وفي هذا الإطار جاء في قرار محكمة النقض.

+إن توقيف المشغل أجيره عن العمل يجب أن يكون محدد المدة وفقا لأحكام المادة 37 من م ش ودون حصول على أجر خلال هذه المدة .

التوبيخ الثالث: هو نقل الاجير من مقر عمله الأصلي إلى مكان آخر، والمشرع مراعاة منه للوضع الاجتماعي للأجير المعاقب تأديبيا نص على ضرورة مراعاة سكناه عند اتخاذ عقوبة النقل ضده إلى مكان آخر.

وسواء تعلق الأمر بالتوبيخ الثاني أو الثالث فإنه قبل أن يتخذ المشغل أحدهما كجزاء للأجير فهو ملزم بإتاحة الفرصة للأجير للدفاع عن نفسه بإسماع إليه من طرف المشغل ومن ينوب عنه والهدف من هذا الاستماع هو تحقيق المسؤولية الاجتماعية للمقاولة ويمكنه من خلال هذا اللقاء أن يولي بحجج يقتنع بها المشغل .

كما أن المشغل ليس حرا في اتخاذ العقوبة بل هو مقيد بضرورة اتباع مبدأ التدرج في هذه العقوبات، ولكن إذا استنفد الأجير تلك العقوبات داخل السنة يمكنه فصله حيث يعتبر الفصل في هذه الحالة مبررا.

المبحث الثاني: التزامات المشغل في اطار عقد الشغل

        إن علاقة المشغل بالأجير كما هو معلوم تحكمها علاقة التبعية بما تفرضه من سلطة الإشراف والرقابة والتوجيه في مواجهة الأجير، وفي نفس الوقت تفرض على المشغل مجموعة من الالتزامات التي يجب أن يفي بها في مواجهة الأجير، وسعيا منا الى إبراز أهم التزامات المشغل خلال مرحلة سريان وتنفيذ عقد الشغل سنعمد إلى تصنيفها للالتزامات القانونية المفروضة على المشغل أي منبثقة من القانون (المطلب الأول) ثم الالتزامات الاتفاقية لهذا الأخير في (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الالتزامات القانونية المفروضة على المشغل

       الالتزامات القانونية المفروضة على المشغل هي مجموعة من الالتزامات القانونية الناتجة عن قانون الشغل بصفة عامة (سواء مدونة الشغل أو القوانين الخاصة) وهذه الالتزامات بطبيعة الحال هي كثيرة جدا، ولذلك سنقتصر على التطرق لبعضها تباعا وفق ما يلي:

 الفقرة الأولى: الالتزامات الخاصة بتسيير المؤسسة 

       إن المشغل يلتزم بجملة من الالتزامات القانونية التي تهدف إلى تسيير المؤسسة بطريقة منتظمة وميسرة نذكر منها ما يلي:

أولا: وضع نظام داخلي للمؤسسة أو المقاولة 

      إن المقصود بوضع نظام داخلي للمؤسسة هو القانون المؤطر للعمل أو نظام العمل داخل المؤسسة، وقد أوجب القانون كفالة علم كافة الأجراء بالنظام الداخلي للمؤسسة حتى يتعرفوا على أحكامه ويستطيعون تطبيقها، بحيث يجب على المشغل تعليق النظام الداخلي في كل أماكن العمل وكذا أماكن أداء الأجور، بل أكثر من ذلك فإنه اذا طلب أحد الأجراء النظام الداخلي من المشغل فيجب عليه تسليمه إليه.

     وتجدر الإشارة إلى أن هناك نوعين من النظام الداخلي يختلف أحدهما عن الأخر تبعا لاختلاف عدد الأجراء الذين يشتغلون في تلك المؤسسة،  بحيث بالنسبة للمؤسسة التي تشغل أقل من عشر أجراء ، فإن هاته المؤسسة يخضع أجراؤها للنظام الداخلي الموضوع  من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالتشغيل والتي تقوم بتحديد هذا النموذج بعد الاستشارة مع المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا والمنظمات المهنية للمشغلين، في حين تتعلق الحالة الثانية بالمؤسسة التي تشغل  ما لا يقل عن عشرة أجراء بصورة اعتيادية داخل السنتين المواليتين لفتح المؤسسة ، وهذا النوع من المؤسسات يخضع للنظام الداخلي الدي يضعه المشغل وفق المسطرة المحددة قانونا ، بحيث بعد تحديد المشغل لمسودته يقوم باطلاع مندوب الأجراء والممثلين النقابيين بالمؤسسة عند وجودهم على  هذه المسودة، تم يوجه مندوب الأجراء المشغل الى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل من أجل الموافقة على النظام الداخلي، وموافقة هذه الأخيرة أمر ضروري من أجل الرقابة والنظر في مدى ملائمة هذا القانون الداخلي مع قانون الشغل وبالتالي فإن مخالفة القانون الداخلي لقانون الشغل من شأنه رفض  السلطة الحكومية الموافقة عليه وبالتالي يكون عليه وجوب تعديل المقتضيات المخالفة للقانون الشغل.

       كما يجب أن تحظى هذه الموافقة أيضا كل التغييرات التي تدخل على نظام سبق التوقيع بالموافقة عليه، وواجب اعلام الأجراء بهذه التغييرات يكون أيضا وفق المقتضيات أعلاه .

ثانيا: تقديم تصريح إلى مفتش الشغل

      يجب على كل شخص ذاتي أو اعتباري يخضع لمقتضيات قانون الشغل يشغل في مقاولة أو مؤسسة أجراء أن يقدم تصريحا بذلك إلى العون المكلف بتفتيش الشغل وذلك وفق الشروط والشكليات المنصوص عليها بمقتضى نص تنظيمي، ويجب احترام هذه المقتضيات وذلك بتقديم تصريح مماثل ادا أرادت المقاولة تشغيل أجراء جدد ، أو تغيير نوع النشاط أو نقل المقاولة من مكان لأخر أو حين تقرير تشغيل أجراء معاقين  ... ويعاقب المشغل الذي لم يحترم هذه المقتضيات بغرامة تتراوح بين 200 و5000  درهم طبقا لما نصت علي المادة 137 من مدونة الشغل .

الفقرة الثانية: الالتزامات المتعلقة بحقوق الأجراء

      من الالتزامات لمتعلقة بحقوق الأجراء نجد:

أولا: احترام الحقوق والحريات النقابية 

      لا يحق للمشغل أن يمنع الأجير من تأسيس أو الانخراط في النقابة المهنية للدفاع عن حقوقه، كما لا يحق للنقابة أن تمارس أي ضغط على الأجراء غير المنقبين، أي لا يحق للمشغل طرد الأجير المنقب  أو تخفيض أجره أو نقله من مكان إلى أخر وإدا التجأ المشغل إلى الفصل بسبب الانتماء النقابي فإنه يعتبر فصلا تعسفيا بقوة القانون، وحماية من المشرع المغربي لهذا الحق عاقب المشغل الدي يحرم الاجير من هذه الحقوق بغرامة تتراوح من 1500 الى 30000 درهم وفي حالة العود تضاعف هذه الغرامة.

غير أن الملاحظ في هذا الاطار هو تأخر خروج القانون التنظيمي للإضراب، خصوصا مع رفض النقابات المعنية معتبرة المشروع يهدف الى تكبيل يد العمال وضرب للحق في الاظراب  .

ثانيا: الالتزام بحفظ صحة الأجراء وسلامتهم البدنية 

    المشرع ألزم المشغل باتخاذ كل الاحتياطات الازمة لحماية الاجراء من الأضرار التي قد تلحق بصحتهم، وكذلك الأضرار الذي تسببها الوسائل المستعملة في الانتاج  وهذا يتوافق مع التوجهات الكبرى والمستقر عليها في اتفاقيات الشغل الدولية.

وفيهذا الصدد نجد أن الفقرة الأولى من المادة 24 من مدونة الشغل تنص على الزام المشغل باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية سلامة الأجراء و صحتهم وفي المواد 281 الى غاية 344 و في القرار الوزاري المتعلق بالتدابير العامة المتعلقة بالوقاية و النظافة المطبقة على المؤسسات التي تتعاطى فيها مهنة تجارية أو صناعية أو حرة، وفي هذا الاطار نجد الغرفة الاجتماعية  في قرار لها جاء فيه أن الاجراء احتجوا على تشغيلهم فوق سطح مقاولة للفخار بفاس وتحث أشعة الشمس وأن المسؤول أخبرهم أن العامل الذي لم يرقه الأمر ما عليه الا أن يغادر ، وهو ما  اعتبرته المحكمة طردا مقنعا لكون الأجراء لم يغادروا بمحض ارادتهم بل تحث تأثير الظروف غير الصحية والغير ملائمة في مكان العمل.

      وارتباطا بما سبق نجد المرسوم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية قد منح من خلال المادة الثالثة منه للسلطات الحكومية باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تفرضها الظرفية بموجب مراسيم و مقررات تنظيمية و إدارية أو بواسطة مناشير أو بلاغات للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض

و على هذا الأساس  اصدرت السلطة الحكومية المكلفة بالصحة و  السلطة الحكومية المكلفة بالصناعة و التجارة و الاقتصاد الأخضر و الرقمي بلاغ مشترك تلزم من خلاله أرباب و مسيري المقاولات و الوحدات الصناعية و الإنتاجية توفير الكمامات الوقائية و منحها للعاملين لديها و السهر على استبدالها كل أربع ساعات مع الحرص على نظافة الأماكن و أدوات العمل و التهوية الكافية لجميع فضاءات العمل مع توفير مواد و معدات التطهير و التعقيم و احترام مسافة الأمان بين العاملين .

      و عليه فإن الالتزام بتدابير الحماية و السلامة الصحية السابق ذكرها تنضاف الى باقي الالتزامات  الواقعة على عاتق المشغلين، و يحق للأجير عند عدم توفرها امتناعه عن القيام بالتزامه بالعمل لما لذلك من ضرر  و  تهديد على صحته و سلامته، بشرط اثبات ذلك إما من خلال استدعاء مفتش الشغل أو مفوض قضائي أو من خلال أي وسيلة من وسائل الاثبات ، كما أن عدم التزام المشغل بتوفير هذه الوسائل يعرضه للعقوبات المنصوص عليها في المادتين 296 و 300 من مدونة الشغل فضلا عن إمكانية ترتيب مسؤوليته الجنائية على أساس الفصلين 432 و 433 من القانون الجنائي و إمكانية قيام ممثلي السلطات المختصة ممثلة في ولاة الجهات و عمال العمالات و الأقاليم بأغلاق المقاولة انطلاقا من سلطتهم في اتخاذ جميع التدابير التنفيذية التي يستلزمها حفظ النظام العام طبقا للمادة الثالثة من مرسوم 2.20.293 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة فيروس كورونا – كوفيد 19.

ثالتا : التزام المشغل بأداء المستحقات المالية المترتبة عن عقد الشغل للأجير

يلتزم المشغل بأداء مجموعة من المستحقات المالية للأجير بحيث يلتزم بأداء الأجر ويلتزم بأداء المكافأة وعلاوة الأقدمية والساعات الأضافية  والعطلة السنوية اذا لم يستفد منها الأجير . 

      غير أن لإشكال قد يثور بصدد بعض التعديلات التي قد يقوم المشغل في إطار سلطته التنظيمية، بإدخالها على طبيعة العمل داخل المؤسسة والتي تؤثر بشكل غير مباشر على أجر الأجير وتؤدي إلى التخفيف منه، مثل إنقاص ساعات العمل أو تعديل طريقة احتساب الأجر أو إلغاء بعض المزايا العينية التي يتمتع بها الأجير، فهل هذه التعديلات تعتبر من قبيل العناصر الجوهرية للعقد، والتي يمنع على المشغل المساس بها أو تغييرها، ما لم تكن هناك موافقة صريحة من الأجير، أم أن هذه العناصر تدخل في تعداد مستلزمات إنجاز العمل، والتي يملك المشغل سلطة تغيرها وذلك بمقتضى ماله من سلطة التنظيم الإدارة داخل المؤسسة.

       فبالنسبة لتعديل طريقة احتساب الأجر إذا تضمن عقد الشغل طريقة احتساب الأجر، فإنه يحكمها بحسب الأصل مبدأ العقد شريعة التعاقدين، بحيث لا يجوز للمشغل أن يستقل بتعديلها إلا بموافقة الأجير، وعلى خلاف المشرع المغربي الذي لم ينص صراحة على هذا المقتضى في مدونة الشغل الجديدة، فإن المشرع المصري كان صريحا في المادة 37 من قانون العمل في اشتراط موافقة الأجير الكتابية على كل تحويل لطريقة احتساب الأجر من الشهر إلى اليوم أو الساعة أو الأسبوع.

      غير أنه لما كان من شأن هذا المبدأ أن يغل يد رئيس المقاولة عن التكيف مع الظروف الاقتصادية والمالية التي تمر منها المقاولة، فإن القضاء، وخاصة في كل من مصر وفرنسا، قد حاول التلطيف شيئا ما من هذا المبدأ وذلك بتخويل المشغل في إطار سلطته التنظيمية الحق في تعديل طريقة احتساب الأجر المتفق  عليها، سواء من اليوم إلى الشهر، أو من الشهر إلى القطعة، شرط عدم المساس بالأجر.

       أما بالنسبة لتخفيض ساعات العمل قد تضطر بعض الظروف المالية التي تمر منها المقاولة أو الأزمات الاقتصادية المحيطة بالمشغل الى تقليص ساعات العمل بالنسبة لبعض أو سائر العمال، وذلك وفق ما تطلبه حاجيات المقاولة. فهل يبقى مثل هذا التعديل مشروعا لكونه يهدف إلى سلامة المقاولة مع محيطها الاقتصادي، أم أنه يعتبر بمثابة تعديل لعنصر جوهري في عقد الشغل يتطلب موافقة الأجير لأعماله

.

        الملاحظ في هذا الشأن أن نقص الفترة الزمنية المخصصة لعمل الأجير قد يكون عاملا إيجابيا بالنسبة للأجير بحيث سيخفف عليه من أعباء الشغل، ويقلص من المجهودات المتطلبة منه لأداء التزامه بالعمل على أن هذا التخفيض لا يخلوا من انعكاسات فإذا كان الأمر لا يطرح أي إشكال بالنسبة للأجراء التي يتقاضون أجورهم بصفة دورية كالشهر مثلا، أو الاسبوع بصرف النظر عن عدد الساعات التي قضوها في انجاز الشغل، فإن الأمر على خلاف ذلك بالنسبة للأجراء الذين يحدد مبلغ الأجور المخصص لهم على ضوء عدد الساعات التي قضوها في إنجاز العمل، ذلك أن التخفيف من ساعات العمل في هذه الحالة الأخيرة، لابد وأن يلحقه تخفيف في قيمة الأجر الذي سيحصل عليه الأجبر في آخر المطاف، فهل يمكن للمشغل إجراء تعديل من هذا القبيل على مدة الشغل بدعوى سلطته في تنظيم الشغل داخل المؤسسة بالرغم من انعكاساته السلبية على الأجير نظرا لما يمثله تخفيض ساعات العمل من تخفيض غير مباشر للأجر، وأمام الأهمية المعيشية التي يمثلها الأجر بالنسبة للأجير، فإن الاجتهاد القضائي المغربي قد عمل على تكريس حماية كافية للأجير من التعديل الانفرادي من قبل المشغل لساعات العمل، بحيث يلزم لسريان مثل هذا التعديل موافقة الأجير، ففي هذا الإطار ذهب المجلس الأعلى سابقا في قرار له إلى أن المشغل الذي يلتزم بمقتضى عقد شغل بتوفير ساعات عمل محددة لا يمكن تخفيضها لاحقا إلا بموافقة الأجير لما لهذا التخفيض من أثر على الأجر الذي هو عنصر اساسي في عقد الشغل .

رابعا: السماح للأجير بالتغيب في بعض الحالات 

       وكمتال على ذلك إجازة المرض ، بحيث يحق للأجير الدي استحال عليه الالتحاق بالعمل  بسبب المرض او حادثة أن يشعر بذلك لمشغل داخل أجل 48 ساعة ويجب أيضا إذا استمر الغياب أكتر من أربعة أيام اخبار المشغل بذلك والأدلاء له بشهادة طبية تبرر غيابه إلا إدا تعدر عليه ذلك، ويمكن للمشغل أن يجري عليه فحصا مضاد طبقا لما نصت عليه المادة 271 من مدونة الشغل ، ولا يعفى المشغل من هذا الالتزام إلا إذا زاد غياب الأجير عن 180 يوما متوالية خلال فترة 365 يوما أو عند فقد الأجير القدرة على مزاولة شغله بحيث يعتبر في هذه الحالة في حكم المستقيل.

     ومن الأمثلة كذلك الأجيرة التي أتبتت حملها بواسطة شهادة طبية حيث تستفيد من إجازة الوضع مدتها14 أسبوعا ما لم يتم التنصيص على مقتضيات أفضل في اتفاقية الشغل أو الاتفاقيات الجماعية ، ويستفيد الزوج الدي انجبت زوجته من عطلة مدتها ثلاثة أيام .

    هذا فيما يتعلق بالالتزامات القانونية أو الالتزامات النابعة عن القانون مباشرة فماذا عن الالتزامات الاتفاقية للمشغل؟

المطلب الثاني: التزامات المشغل الاتفاقية 

     هي التزامات نابعة إما عن عقد الشغل الفردي أو عن اتفاقيات الشغل الجماعية 

الفقرة الأولى: التزامات المشغل المنبثقة عن عقد الشغل الفردي

      انسجاما مع الفلسفة الحماية التي يقوم عليها قانون الشغل والتي ترمي إلى حماية الطبقة الأجيرة وضع المشرع المغربي في مدونة الشغل مجموعة من المقتضيات القانونية لضمان وتفعيل حقوق الاجير، وتعتبر تلك القواعد قواعد أمرة لا يمكن الاتفاق على مخالفتها أي لا يجب الاتفاق على كل ما من شأنه الإنقاص من الحقوق المخولة للأجير بمقتضى مدونة الشغل والا اعتبر الاتفاق باطلا لأن قواعد قانون الشغل قواعد أمرة تعتبر في مصلحة الأجير.

      أما إذا كان الاتفاق من شأنه أن يزيد في الضمانات الممنوحة للأجير فهذا يعتبر جائزا ويمكن الاتفاق يبين الأجير والمشغل على مجموعة من الالتزامات التي يلتزم بها المشغل والتي يجب عليه أن يقوم بأدائها للأجير بالرغم من أنها غير منصوص عليها قانونا ولكن تم الاتفاق عليها في عقد الشغل، مثلا الاتفاق على إعطاء الشهر الثالث عشر، الاتفاق على إعطاء مكافأة، الاتفاق على إعطاء الأضحية، بمعنى كل ما يتعلق بالالتزامات التي تعتبر في صالح الأجير.


الفقرة الثانية: التزامات المشغل المنبثقة عن اتفاقية الشغل الجماعية

      كما هو معلوم تعتبر اتفاقية الشغل الجماعية عقدا جماعيا ينظم علاقة الشغل الجماعية وتبرم بين ممثلي منظمة الأجراء الأكثر تمثيلا وبين مشغل واحد أو عدة مشغلين، فإدا أبرم المشغل اتفاقية جماعية الزم بتطبيق الالتزامات المفروضة عليه بمقتضى تلك الاتفاقية، وكمثال على ذلك الالتزام بالتكوين المستمر لفائدة الأجراء بهدف الترقية الاجتماعية أو المهنية.

       وقد نصت مدونة الشغل في المادة 23، على أنه يحق للأجراء الاستفادة من محو الأمية ومن التكوين المستمر، وسيتم تحديد شروط وكيفيات الاستفادة من هذا الحق عبر نص تنظيمي ، والملاحظ أن بعض المؤسسات المشغلة قد سلكت هذا النهج قبل صدور المدونة، إلا أنه لم يكن مقننا على هذا النحو، كما أنه اكتسب بفضل المدونة صفة -حق-  ولا يجادل أحد في أن الذي لا يعرف المعلوميات في عصرنا هذا يعتبر أميا، من هنا ينبغي على القاضي الاجتماعي، أن يأخذ بعين الاعتبار هذا المقتضى عندما يقوم المشغل بالاستغناء على الأجير بدعوى عدم كفاءته- عدم معرفته باستعمال الحاسوب- ، على اعتبار أن المقصر في هذه الحالة هو المشغل الذي لم يوفر له التكوين المناسب، بدل اتخاذ قرار الاستغناءعليه. 

    كما نصت المادة 408 على أنه يمكن للنقابات المهنية إنشاء وتدبير مراكز للأبحاث والدراسات والتكوين    ، كما أن إحداث لجنة المقاولة سيساهم لا محالة في سد هذا الفراغ، هكذا نجد أن المادة 466 نصت على أن من اختصاصات لجنة المقاولة تنظيم تداريب للإدماج المهني، ومحاربة الأمية والتكوين المستمر للأجراء.

     كما نصت المادة 105، على أنه يمكن أن تتضمن اتفاقات الشغل الجماعية، تنظيم تكوين مستمر لفائدة الأجراء، يهدف إلى تحقيق ترقيتهم الاجتماعية والمهنية، وإلى تحسين معارفهم العامة والمهنية، وملاءمتها مع التطورات التكنولوجية.

      يشمل التكوين المستمر، استنادا لنص مشروع قانون التكوين المستمر، عمليات تكييف  الكفاءات التي يتوفر عليها الأجراء بهدف تحيين معارفهم ومهاراتهم المهنية وإتقانها، إلى جانب عمليات التكوين التي تستهدف تمكين الأجراء من اكتساب مؤهلات ومهارات جديدة، وعمليات إعادة التأهيل، الكفيلة بتمكين المكونين من المهارات التي يتطلبها تغيير مناصب عملهم، أو من أجل شغل مناصب عمل جديدة، إلى جانب عمليات التأهيل الوظيفي الرامية إلى ملاءمة مؤهلات المعنيين بالأمر مع   متطلبات الوظائف المسندة إليهم.

       وبموجب القانون المذكور، لا تقتصر برامج التكوين على تلك التي تبادر إليها المقاولة، بل يمكن للأجراء أن يبادروا هم أيضا إلى اقتراح تكوينات، حسب اختيارهم، في إطار رصيد زمني للتكوين المستمر لا تقل مدته عن ثلاثة أيام عمل في السنة قابلة للتجميع خلال خمس سنوات.






صفوة القول ان حسن سريان وتنفيذ عقد الشغل هو من حسن تنفيذ التزامات طرفيه الاجير والمشغل، و ضمان التوازن بين التزامات هذين الأخيرين من شانه ضمان تحقيق الحماية الاجتماعية من جهة ومن جهة ثانية دعم المقاولة وضمان استمراريتها. 

ومن أجل بلوغ هذه الأهداف نقترح التوصيات التالية:

تقوية جهاز تفتيش الشغل كميا وتكوين طاقمه بما يتلاءم مع مهامه وتمكينه من الوسائل المادية والبشرية.

 سد الفراغ التشريعي بخصوص حق الاضراب والدي يؤدي الى التباس حقوق والتزامات الأطراف المعنية لذلك لبد من اخراج القانون التنظيمي للأضراب الى الوجود.

اخراج القانون التنظيمي للتكوين المستمر حماية للأجير. 








لائحة المراجع:

الكتب:

محمد بن حسين ، شرح قانون الشغل المغربي مع اخر مستجدات النصوص التنظيمية والعمل القضائي، الرباط، مطبعة 2012

محمد الشرقاوي ، علاقات الشغل بين تشريع الشغل ومشروع مدونة الشغل ، مطبعة سجلماسة مكناس الطبعة 2013-2014 

عبد اللطيف خالفي الوسيط  في مدونة  الشغل ، الجزء الاول ،الطبعة  الاولى ،مطبعةالوراقةالوطنية2004

الحاج الكوري المسؤولية الاجتماعية للمقاولة في حالة فصل الإجراء، ط2004

أحمد حميوي، الوسيط في قانون لشغل لمغربي، الجزء الأول علاقات الشغل الفردية، مطبعة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع – الرباط، الطبعة الأولى 2013

محمد علي عمران، شرح أحكام قانون العمل، القاهرة، مطبعة عين شمس ،1980

المحاضرات:

عبد العزيز العتيقي، القانون الاجتماعي المغربي محاضرات موجهة للطلبة السداسية الثالثة السنة الجامعة 2011 -2012

المقالات:

محمد امين ، سلطة المشغل في التعديل الانفرادي لعقد الشغل، مقال منشور بموقع UNIVERSITTYLIFESTALE .NET

أحمد بن مسعود ،أثر جائحة فيروس كورونا المستجد على عقود الشغل ، مقال منشور بموقع WWW .DROITEDNTREPRISE.COM

تقرير بعنوان تنظيم الاظراب مصير مجهول لمشروع القانون،منشور بموقع AA .COM.TR   

نورة بوطاهر، انس الأعرج ،رشيد الأشهب ،حسن الابراهمي، اثر المعلوميات على الشغل، مقال منشور بموقع startimes.com  

القرارات :

قرار لمحكمة النقض، رقم 1203بتاريخ 14-5-2015، في الملف الاجتماعي عدد661-5-1-1014، غير منشور

قرار المجلس الاعلى، عدد110، بتاريخ1فبراير2005، ملف اجتماعي عدد1053-2004، غير منشور

قرار المجلس الاعلى، عدد 2247 بتاريخ 1990 09- 24 منشور بمجلة المحاكم المغربية، ماي 1992

قرار المجلس الأعلى رقم 330 بتاريخ 22 شتنبر 1980، في الملف الاجتماعي عدد 853- 83، منشور بقضاء المجلس الأعلى،

 العدد 27- 1981،

قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالقنيطرة بتاريخ 22 فبراير 1998، في الحلف عدد 951962، منشور بمجلة الاشعاع، العدد 19، 1999



تعليقات

التنقل السريع