منازعات الاثبات في المادة الضريبية
يعد الاثبات في القانون بصفة عامة مفتاح نجاح أي إجراء ,ففي جميع المواد لا يكفي أن تكون حائزا للحق ,أو أن توجد في وضعية قانونية للمطالبة بالنتائج المرتبطة بهذا الحق أو المترتبة عن هذه الوضعية , وإنما لا بد من وجود دليل للإثبات .
ولقد عرف أحد الفقه الإثبات بأنه " إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها القانون , على وجود واقعة معينة ترتبت آثارها " .
و النزاعات الضريبية كغيرها من النزاعات لا يمكن أن تخرج على هذه المبادئ لكن مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصياتها نظرا لاختلافها في الطبيعة عن غيرها، فطرق الاثبات في المنازعات الضريبية تعطي للإدارة الضريبية صلاحية إثبات الوقائع المتنازع في شأنها مع الملزم كإثبات الواقعة المنشئة للضريبة أو الوقائع المتنازع في شأنها مع الملزم ، أما الملزم فغايته هي إثبات انعدام الواقعة المنشئة للضريبة أو اثبات انعدام صفته كملزم بالفرض الضريبي وبالتالي فإن كل طرف يحاول إقناع الآخر بحجية وسائل الإثبات التي يقدمها. ويمكن تعريف الإثبات في المادة الجبائية بأنها " تلك التقنيات و الوسائل التي يلجأ إليها أحد الطرفين سواء الملزم أو الإدارة الضريبية لتأكيد ما يدعيه أو نفي الأمور التي يدعيها الطرف الآخر ، وذلك سواء في المرحلة الإدارية أو أثناء المرحلة القضائية.
وقد مر نظام الإثبات في المادة الضريبية بنفس المراحل التي قطعتها الضريبة والنظام الضريبي. ففي القديم كان الملزم يحمل الضريبة إلى الدولة , وكانت الوقائع التي يمكن أن تكون محلا للإثبات محدودة جدا ، وبذلك كان عبء الإثبات يقع على الملزم ، أما إدارة الضرائب فكانت تتمتع بسلطة واسعة بحيث لم تكن تتقيد بأية قواعد قانونية , لكن بعد هذه المرحلة جاءت مرحلة أخرى عرفت فيها علاقة الفرد بالدولة تطورا كبيرا , وخلالها أصبحت الدولة من تطالب بالضريبة , ومن ثم أصبحت ملزمة بإثبات الواقعة المنشئة لها في مواجهة الملزم , كما أنها ملزمة أيضا بإثبات صحة إجراءات فرضها واستخلاصها
وتمكن أهمية موضوع الاثبات في المادة الجبائية على المستوى النظري في كون نظام الإثبات يضفي الشرعية على القرارات التي تتخذها الإدارة الضريبية ضد الملزم وفي المقابل يضفي الشرعية على القرارات التي يتخذها الملزم ضد الإدارة فيما يتعلق بالأداء أو عدم أداء الضريبة.
أما على المستوى العملي فتتجلى في كون الإثبات قد يحول دون حدوث منازعات بين الإدارة الضريبية والملزم بالضريبة إذ بواسطته يستطيع كل طرف إقناع الطرف الاخر بما يدعيه.
ومنه فإن إشكالية الموضوع تتمثل فيما يلي :
إلى أي حد استطاع المشرع المغربي وضع إطار قانوني ينظم الإثبات في المادة
الضريبية أم أن الأمر يستدعي تدخل دائم للقضاء ؟
لمعالجة هذه الإشكالية وتقييدا بمنهجية تحليل المواضيع القانونية، ارتأينا معالجة هذا الموضوع بالاعتماد على المنهج التحليلي والمقارن لمناقشة مختلف الإشكالات التي
يطرحها موضوع الإثبات في المادة الضريبية وذلك وفق حطة البحث التالية:
المبحث الأول: عبء الاثبات في المادة الضريبية
المبحث الثاني: وسائل الإثبات في المادة الضريبية
aaaaa
المبحث الأول: عبء الاثبات في المادة الضريبية
عبء الاثبات في المادة الضريبية إما أن يقع على عاتق الإدارة الضريبية (المطلب الأول) أو على كاهل الملزم (المطلب الثاني) وذلك متى توفرت حالات معينة تستوجب أن يقوم هذا الأخير بالإثبات.
المطلب الأول: تحميل الإدارة عبء الاثبات
سوف نتطرق في ) الفقرة الأولى( إلى الحالات المبلورة من طرف القضاء لتحميل الإدارة عبء الاثبات، ثم إن الأمر لا يقتصر على هذه الحالات فقط بل يتعدى ذلك الى حالات الإثبات المتعلق ببعض الأمور الموضوعية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الحالات المبلورة من طرف القضاء لتحميل الإدارة عبء الاثبات
هي مجموعة من الحالات ويمكن الاقتصار على بعضها فيما يلي:
أولا: مباشرة الإدارة مسطرة من المساطر الجبائية
إن مباشرة مسطرة من المساطر الجبائية يجب أن يتم طبقا لمقتضيات المدونة العامة للضرائب وأي مخالفة لتلك المقتضيات يفتح المجال أمام الشخص الملزم لمنازعة الإدارة الضريبية ، وأمام غياب نص قانوني يحدد الجهة التي تتحمل عبء الاثبات، يذهب القضاء في حالة نشوء نزاع بين الملزم والإدارة إلى تحميل هذه الأخيرة هذا العبء باعتبارها الجهة المكلفة باحترامها، وليس الشخص الخاضع للضريبة وهذا ما كرسه قرار لمحكمة النقض- المجلس الأعلى سابقا- والذي جاء فيه" حيث إن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أنه في حالة الفرض التلقائي للضريبة فإن الإدارة هي التي تكون ملزمة بإثبات أن مسطرة الفرض كانت صحيحة" .
وفي قرار آخر لمحكمة النقض جاء فيه ما يلي:"... يقع عبء الاثبات على الإدارة الضريبية في حالة المنازعة بأن تدلي ما يفيد احترامها لأجل 15 يوما الفاصلة بين تاريخ تبليغ الاشعار بفحص وتاريخ الشروع في عملية المراقبة" .
يتضح من خلال هذين القرارين أن القضاء اتجه الى تحميل الادارة عبء الاثبات لآنه يحقق حماية للشخص الملزم من جهة، كما أنه يكفي فقط أن يدعي الملزم عدم احترام إجراء معين حتى تتحمل الإدارة عبء الاثبات.
ثانيا: إ دعاء الإدارة نقصان الثمن
لما كان الفصل في النزاع يقتضي تحديد الجهة الملزمة بالإثبات، وأمام غياب نص قانوني في المدونة العامة للضرائب، فإن القضاء تولى تحديد هذه الجهة عندما كلف الإدارة بإثبات ادعائها المتعلق بالنقصان، وهذا ما أكده حكم المحكمة الإدارية بأكادير الدي جاء فيه" وحيث إن الإدارة لم تستطع في جميع مراحل الدعوى تبرير ادعائها من كون الثمن المصرح به في العقد غير مطابق للقيمة التجارية للبيع، وحيث تكون بذلك مسطرة تقويم النقصان في الثمن غير مبنية على سبب يبررها وبيان التصفية المنجزة على إثرها غير مسبب ويتعين إبطاله .
وبالتالي يمكن القول أن التوجه الذي سارت فيه المحاكم الإدارية فيما يخص حالة ادعاء الإدارة الضريبية نقصان الثمن، ما هو إلا تطبيق لمنطوق الفصل 399 الذي ينص على أن إثبات الالتزام يقع على مدعيه" .
ثالثا: تحديد وعاء الضريبة
من خلال الاطلاع على العمل القضائي يمكن القول أن عبء الاثبات في الحالة المتعلقة بتحديد وعاء الضريبة يقع على عاتق الإدارة الضريبية ، وهو توجه صائب لأن الإدارة الضريبية هي من قامت بتحديد العناصر الخاضعة للضريبة وليس الشخص الملزم، وفي هذا نجد المحكمة الإدارية بفاس ذهبت في حكم لها إلى إلغاء بيان التصفية نظرا لعدم إدلاء مصلحة التسجيل بما يثبت الأسس الجديدة المعتمدة في احتساب رسوم التسجيل التكميلية وما يدحض عناصر المقارنة المستدل بها من طرف المدعى...، وهو التوجه نفسه الذي سلكته المحكمة الإدارية بأكادير، لما حملت الإدارة عبء الإثبات وأكدت على أن تقاعس المدعى عليه عن المنازعة في الأساس الجديد الذي اعتمدته كوعاء للضريبة داخل أجل شهر من تاريخ تبليغه لا يعني أن الإدارة غير ملزمة بالإثبات .
رابعا: حالة قطع التقادم
ينقطع التقادم بمجموعة من الأسباب قد تصدر عن الدائن كما قد تصدر عن المدين نص عليها المشرع في الفصلين 381 و 382 من ق .ل .ع.
وبخصوص الجهة التي تتحمل عبء الاثبات في حالة ادعاء الإدارة الضريبية قطع التقادم، فإن القضاء يلقى هذا العبء على عاتقها- أي الإدارة والضريبة- حيث جاء في حكم للمحكمة الإدارية بالرباط: "حيث لما كان إثبات التبليغ على عاتق المحاسب المكلف بالتحصيل، فإنه أمام إنكار توصل المدعي بالإنذار القانوني المتمسك به من طرف القابض وتقاعس هذا الأخير عن إثبات واقعة التبليغ يجعل الإنذار القانوني غير منتج في قطع تقادم إجراءات تحصيل الضريبة، الشيء الذي يتعين معه إلغاء المطالبة بتحصيلها" .
الفقرة الثانية: الاثبات المتعلق بالأمور الموضوعية
إن الأمور الموضوعية التي يمكن أن تكون محلا للإثبات كثيرة ومتعددة، وسنقف على إثبات الواقعة المنشئة للضريبة (أولا) ثم إثبات الشخص الذي تصدر عنه هذه الواقعة وهو الملزم (ثانيا).
أولا: إثبات التحقق الفعلي للواقعة المنشئة للضريبة
لكي ينشأ الدين الضريبي يجب أن تكون الواقعة التي أخضعتها إدارة الضرائب للتضريب قد تحققت فعلا، وهو ما يعني طبقا لمفهوم المخالفة أن الواقعة التي لم تتحقق فعلا أي الواقعة المحتملة، لا يمكن ان تكون محلا التضريب ، وبالتالي فإنه لا يمكن للإدارة الضريبة أن تطالب شخصا ما بأداء ضريبة على الدخل دون أن يكون الشخص المطالب بالضريبة قد حقق فعلا دخلا، كما لا يمكن لإدارة الضرائب أن تطالب شركة معينة بأداء ضريبة عن الأرباح في حين أنها حققت خسائر .
ويثار إشكال هنا في حالة اندثار الواقعة المنشئة بسبب فسخ العقد، ففي هذه الحالة تذهب الإدارة الضريبية إلى القول أن الواقعة المنشئة للضريبة قد تحققت وبالتالي يكون لها الحق في استخلاص الدين الضريبي بينما يتمسك الشخص الخاضع للضريبة بأنه غير ملزم تجاه الإدارة الضريبية بسبب اندثار الواقعة المنشئة وفي هذا السياق ميزت محكمة النقض بين الحالة التي تتعلق برسوم التسجيل وبين الحالة التي تتعلق بالضريبة على الدخول العقارية.
فبالنسبة للحالة المتعلقة بواجبات التسجيل، ذهبت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض في قرارها إلى أن اندثار الواقعة المنشئة لا يؤثر على حق الإدارة في استخلاص واجبات التسجيل ، وبالتالي فإن ما ذهب إليه هذا القرار نؤيده لأن القول بعدم تضريب العقود التي تعرضت للفسخ سيفتح الباب أمام الملزمين للتهرب من أداء واجبات التسجيل، حيث ستبرم عقود تستوجب أداء نسبي أو ثابت وعند مطالبة المكلف بمبلغ الضريبة سيدفع بعدم تحقق الواقعة المنشئة بسبب الفسخ، وبالتالي عدم قيام الالتزام الضريبي.
أما بالنسبة للضريبة الناتجة عن تحقيق ربح عقاري فقد ذهبت الغرفة الإدارية بتاريخ 30/05/2002 إلى أن اندثار الواقعة المنشئة يحول دون قيام الالتزام الضريبي .
بقي أن نشير إلى أنه لكي يكون الشخص ملزما اتجاه إدارة الضرائب لا يكفي أن تقوم هذه الأخيرة بإثبات تحقق الواقعة المنشئة للضريبة تحقق فعليا فقط، وإنما لا بد من إثبات شرط آخر، ألا وهو تحقق الواقعة المنشئة داخل المغرب تطبيقا لمبدأ إقليمية القوانين . وكذا وجود نص قانوني يخضع الواقعة للتضريب ويحدد سعرها وطريقة تصفيتها طبقا للقاعدة القائمة" لا ضريبة إلا بنص قانوني".
ثانيا: إثبات الشخص الملزم
يجب على إدارة الضرائب أن تثبت الشخص الملزم بتسديد الدين الضريبي خلال مرحلة الوعاء وكذا خلال مركلة التحصيل.
• فبخصوص إثبات الملزم خلال مرحلة الوعاء ففي هذه المرحلة يمكن القول أن إدارة الضرائب هي الملزمة بإثبات الشخص الخاضع للضريبة سواء تعلق الأمر بالشخص الطبيعي أو بالشخص المعنوي.
• ففيما يتعلق بالشخص الطبيعي فإن فرض إدارة الضرائب الضريبة عليه يستوجب منها أن تثبت مرور مدة 183 يوما على إقامته في المغرب عن كل سنةـ وبالمقابل يتعين على الشخص الملزم ان يثبت لم ينصرم الأجل الذي نص عليه المشرع في حالة إذا ما استطاعت الإدارة الضريبية إثبات إقامته .
• أما فيما يتعلق بالشخص المعنوي كالشركة فإن إدارة الضرائب هي من تدعي وجود الشركة وبالتالي احقيتها في استخلاص الضريبة على الشركات فإنها تكون ملزمة بإثبات ما تدعيه.
وإثبات وجود الشركة يكون في الغالب الأعم سهلا أمام إدارة الضرائب بحيث يمكنها اللجوء إلى جميع الوسائل كالاطلاع على السجل التجاري مثلا .
• أما بخصوص إثبات الملزم خلال مرحلة التحصيل فإن الأمر يختلف بحسب ما إذا كان مطالبة الأشخاص بمبلغ الضريبة بصفة شخصية أو على وجه التضامن أو بصفتهم حائزين.
• أما بخصوص إثبات الملزم خلال مرحلة التحصيل فإن الأمر يختلف بحسب ما إذا كان مطالبة الأشخاص بمبلغ الضريبة بصفة شخصية أو على وجه التضامن أو بصفتهم حائزين.
• ففيما يتعلق بالأغيار المسؤولين شخصيا فإنه للمادة 93 من المدونة العامة للضرائب يستوجب بالضرورة أن تثبت الإدارة موافقتهم وذلك طبقا لمضمون المادة 93 التي جاء فيها" تعتبر قابلة للتنفيذ جداول الضرائب وقوائم الإيرادات وسندات التحصيل الأخرى الموضوعة للتحصيل بكيفية قانونية ضد المدينين المسجلين فيها وضد ذوي حقوقهم وكل المسجلين فيها وضد ذوي حقوقهم وكل الأشخاص الآخرين الذين جعل المدينون موطنهم الجبائي بموافقتهم"
• أما فيما يتعلق بالأغيار المسؤولين على وجه التضامن كالعدول والموثقين فطبقا للمادة 95 من. م.ع.ض يتعين على هؤلاء أن يطالبوا بالإدلاء لهم بشهادة مسلمة من مصالح التحصيل تثبتا أداء حصص الضرائب والرسوم المثقل بها العقار برسم السنة التي تم فيها انتقال ملكيته أو تفويته.
وأخيرا فإن الأغيار الحائزين فانطلاقا من المادة 101 من م.ع.ض هم:
- المحاسبين العموميين
- المكترين
- كل الحائزين أو المدينين بمبالغ لفائدة الملزمين
- مسيروا الشركات أو متصرفوها أو مديروها
- وبالتالي فمطالبة أحد هؤلاء الأغيار بمبلغ الضريبة بتوقف على ضرورة إثبات الإدارة الضريبية لأنهم يحوزون أموال المدين الرئيسي
المطلب الثاني: تحميل الملزم عبء الإثبات
اختلف موقف الفقه بخصوص تحميل الملزم عبء الإثبات في المادة ألضريبية ,حيث ذهب اتجاه إلى تحميل الإدارة الضريبية وحدها عبء لإثبات ,بينما ذهب اتجاه أخر إلى توزيع عبء الإثبات بين الطرفين معا .
وبالرجوع الى موقف القضاء المغربي ,نجد أنه وزع عبء الاثبات بين الادارة والملزم, حيث حمل هذا الاخير عبء الاثبات في حالة ادعائه أداء مبلغ الضريبة ,أو الزيادة فيه (الفقرة الاولى) ,وكذا الحالة التي يدعي فيها عدم صحة التاريخ المضمن في الإشعار بالفحص أو وجوده في حالة إعفاء من الضريبة (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: إدعاء الملزم أداء مبلغ الضريبة أو الزيادة فيه.
قد يدعي الملزم أنه قد سبق له أداء مبلغ الضريبة في حين تتمسك الادارة الضريبية بعدم أداء الملزم للدين الضريبي (أولا), وقد يدعي الملزم في بعض الحالات أن الإدارة بالغة في تقدير الضريبة عبر الزيادة في مبلغها (ثانيا), وفي كلتا الحالتين فقد حمل القضاء الملزم عبء الإثبات.
أولا:حالة ادعاء الملزم أداء مبلغ الضريبة.
إن الالتزام الجبائي يمر عبر عمليات متسلسلة, تبدأ بمرحلة الوعاء التي يتم خلالها تحديد العناصر الخاضعة للضريبة, ثم تليها مرحلة التصفية التي يحتسب فيها مبلغ الضريبة, ثم تأتي مرحلة أخيرة هي مرحلة التحصيل أو استخلاص الضريبة والتي خلالها يتم أداء المبلغ الضريبي من طرف الشخص الملزم .
وقد يقع نزاع في المرحلة الأخيرة عبر إدعاء الشخص الخاضع للضريبة أداء المبلغ المطالب به من طرف الادارة الضريبية, في مقابل تمسك هذه الأخيرة بعدم أداء الملزم للدين الضريبي , وفي هاته الحالة ألقى القضاء عبء الإثبات العاتق الملزم.
وهذا ما أكده الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بوجدة حيث جاء فيه " رغم اعتراف الملزم بشرائه للأصل التجاري المطلوبة عنه رسوم التسجيل الأصلية فإنه لم يثبت أداءه للرسوم المطلوبة من طرف إدارة التسجيل عن العقد المذكور بأية وسيلة من وسائل الإثبات، مما جعل تعرضه على بيان التصفية غير مؤسس" .
كما جاء في حكم آخر صادر عن إدارية الرباط:
" إن ادعاء الملزم بأنه أدى ما بذمته من الضرائب يقتضي إثبات واقعة الأداء"
من خلال هذين الحكمين يتبين أن القضاء المغربي لم يأخذ بعين الاعتبار الحالة التي يفقد فيها الملزم وصل الاداء وبالتالي لا يستطيع إثبات واقعة الاداء, فيظطر إلى أداء الدين الضريبي مرة أخرى ,خصوصا وأن المشرع المغربي لم يخول في م.ع.ض للشخص الخاضع للضريبة الحق في الحصول على وصل جديد.
ثانيا: حالة ادعاء الملزم الزيادة في مبلغ الضريبة.
إن احتساب مبلغ الضريبة لا يكون دائما بشكل صحيح, بحيث قد تقع الادارة الضريبية في بعض الأخطاء, حيث يمكن أن تقوم بالزيادة في مبلغ الضريبة.
ويذهب القضاء في هذه الحالة إلى تحميل الشخص الخاضع للضريبة عبء الاثبات حيث جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي ".....ويبقى على الملزم إذا اعتبر أن هناك مغالاة في المبلغ الضريبة إثبات ذلك, وهو ما لم يراعه القرار الذي جاء معللا تعليلا فاسدا عرضه للنقض" .
ونرى أن هذا القرار مجانب للصواب لأنه قام بتحميل الشخص الخاضع للضريبة عبء الاثبات لأنه ادعى الزيادة في مبلغ الضريبة في حين أن الادارة الضريبية هي التي تقوم بعملية التقدير ولذلك وجب عليها تبرير هاته الزيادة.
الفقرة الثانية: ادعاء الملزم عدم صحة التاريخ المضمن في الاشعار بالفحص أو وجوده في حالة إعفاء من الضريبة.
أولا: ادعاء الملزم عدم صحة التاريخ المضمن في الاشعار بالفحص.
في هذه الحالة لا يدعي الملزم عدم قيام الادارة بتوجيه الاشعار بالفحص, وإنما يدعي عدم صحة التاريخ المضمن فيه, بمعنى أن الادارة باشرت الإجراء المتعلق بتوجيه الإشعار, لكن التاريخ الوارد فيه غير صحيح.
وإذا كان القضاء يذهب إلى تحميل الادارة عبء الإثبات في حالة عدم احترامها للإجراءات التي تباشرها, فإنه يذهب إلى تحميل الملزم عبء الاثبات في حالة ادعائه عدم صحة التاريخ المضمن في الإشعار أو غيره من البيانات الأخرى, حيث ورد في قرار لمحكمة النقض ما يلي:
"وحيث إن الاشعار بانتهاء الفحص باعتباره إجراءا جوهريا ومحددا لعملية الفحص في الزمان ما دام يتضمن تاريخ بداية الشروع في الفحص والذي يتزامن مع التاريخ الوارد بالاشعار بالفحص وتاريخ نهاية هذا الأخير والذي يقتضي... فإن التاريخ الوارد به باعتباره تاريخ الشروع في الفحص يحمل على الصحة وعلى من يدعي خلاف ذلك إثباته"
ونرى أنا المنحى الذي سلكه القضاء بخصوص هذه النقطة فيه اجحاف اتجاه الملزم لأنه في الغالب الأعم لا يتوفر على الوسائل الازمة لإثبات صحة البيانات المضمنة في الإشعار , عكس الإدارة الضريبية التي توجد في مركز يسمح لها بإثبات التاريخ الحقيقي للشروع في عملية الفحص
ثانيا : الحالة المتعلقة بالإعفاء.
لقد تضمنت م. ع. ض العديد من المقتضيات تنص على إعفاء بعض الأشخاص من الضريبة إما كليا أو جزئيا .
وقد ذهب القضاء المغربي إلى تحميل الملزم بالضريبة عبء إثبات وجوده في حالة اعفاء. وهذا ما يستشف من قرار صادر عن محكمة النقض حيث جاء فيه"...والطاعن الذي تمسك بأنه معفى من أداء الضريبة على الأرباح العقارية عن المنزل المبيع لم يدل لقضاة الموضوع أنه معفى من الضريبة التي أداها عنه الموثق, وبهذه العلة القانونية يكون منطوق القرار معللا والوسيلة بدون أساس ، يتبين من خلال هذا القرار أن الملزم يتعين عليه إثبات وجود نص قانوني أو تنظيمي يمنحه الحق في الاعفاء , لأن القاضي يصعب عليه معرفة جميع النصوص القانونية المتعلقة بحالات الاعفاء بسبب كثرتها وتجددها المستمر .
كما يتوجب عليه إثبات حالة أو صفة في إطار الحالات أو الصفات المعنية بالإعفاء وذلك بتقديم الوثائق الموضحة والمدعمة لذلك.
المبحث الثاني :وسائل الإثبات .
نظرا لأهمية المنازعات الضريبية ولما للعبء الضريبي من ثقل على الأفراد وما تصاحبه هذه المنازعات من عبء الإثبات، سواء على عاتق الإدارة الضريبية في إثبات صحة قرارها أم على عاتق المكلف في إثبات صحة دعواه وإثبات خلاف ما جاء في قرار التقدير من بينات تؤيد إصداره في الصورة التي أدت إلى عدم موافقة المكلف واللجوء للقضاء للطعن فيه، فإن أصعب ما يواجه الإدارة الضريبية والمكلف إثبات العبء الضريبي المترتب بذمة المكلفين .
وتجدر الإشارة أن مشرع المدونة العامة للضرائب لم ينضم وسائل الإثبات بشكل صريح وإنما نص عليها كأحد الالتزامات التي تقع على الخاضعين للضريبة، الأمر الذي جعل بعض الفقه يتجه للقول أن الإدارة الضريبية حرة في استعمال أي وسيلة من وسائل الإثبات، أما المكلف بالضريبة فهو ملزم بالإثبات بالوسائل المنصوص عليها في القانون.
إلا أن هذا الرأي مردود لأنه لا يوجد نص قانوني أو توجه قضائي ينص على ماذهب إليه هذا الرأي، بل أكثر من ذلك ذهب القضاء في العديد من القرارات إلى قبول الإثبات بوسائل لم ينص عليها القانون لافي المدونة العامة للضرائب ولا في قانون الالتزامات للعقود كما في الحالة التي يدلي فيها الملزم بالشواهد الإدارية وفواتير الماء والكهرباء، والحالة التي تدلي فيها الإدارة الضريبية بالمحاضر.
وعموما فإن الحديث عن وسائل الإثبات في المادة الضريبية سيتم من خلال التطرق لوسائل الإثبات المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب المطلب الأول ، ثم نتطرق في المطلب الثاني لوسائل الإثبات الواردة في قانون الالتزامات والعقود، وقد ارتأينا عدم الخوض في الحديث عن الخبرة كوسيلة من وسائل الإثبات، على أساس أن المشرع المغربي نظمها ضمن إجراءات التحقيق في ق.م.م .
المطلب الاول : الوسائل الخاصة
إذا كانت القواعد العامة للإثبات تقضي بأنه لا يجوز للشخص ان يقدم دليلا لصالح نفسه، فإنه في المنازعة الجبائية يجوز الإثبات بواسطة الوثائق المحاسبية وهذه الوثائق توضع رهن إشارة الإدارة الضريبية للاطلاع على ما تضمنته من بيانات، ومقابل الإقرار المقدم من طرف الملزمين تمارس الإدارة الضربية حق المراقبة أو الفحص.
بالاطلاع على المقتضيات الواردة في المدونة العامة للضرائب فإن وسائل الإثبات تتمثل في كل من المحاسبة الفقرة الاولى ثم الإقرار الفقرة الثانية
الفقرة الأولى : المحاسبة
تشكل المحاسبة مرجعا أساسيا لتحديد الوعاء الخاضع للضريبة المفروضة على التاجر، إذ أنه بالاستناد إلى معطياتها يمكن لمصلحة الضرائب أن تفرض ضريبة عادلة على التاجر تتناسب والرقم الحقيقي لمعاملاته .
وبالرجوع إلى المدونة العامة للضرائب نجد أن المادة 145 نصت عليها كأحد الالتزامات الملقاة على عاتق الخاضعين للضريبة ، حيث جاء فيها: "يجب على الخاضعين للضريبة مسك محاسبة طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، بشكل يتيح للإدارة أن تقوم بالمراقبة المنصوص عليها في هذه المدونة "، ويتضح من خلال هذه المادة أنها اشترطت في المحاسبة أن تكون ممسوكة طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، والمتمثلة في كل من مدونة التجارة والقانون رقم 88.9 المتعلق بالقواعد المحاسبية الواجب على التجار العمل بها، حتى تكون مقبولة كوسيلة للإثبات أمام الإدارة الضريبية وأمام القضاء في حالة حدوث نزاع، وبإعمال مفهوم المخالفة للمادة 145 من المدونة العامة للضرائب فإن المحاسبة المخالفة للقواعد القانونية تفتح المجال للإدارة للشك فيها وبالتالي تأسيس الضريبة على المعطيات المتوفرة لديها.
والحديث عن المحاسبة كوسيلة من وسائل الإثبات، يقتضي التمييز بين المحاسبة المنتظمة أولا، والمحاسبة غير المنتظمة ثانيا
أولا: المحاسبة المنتظمة
من الشروط الأساسية لنظامية المحاسبة، ضرورة التوفر على الوثائق المحاسبية، ثم الوثائق المثبتة لصحة العمليات التي قام بها الملزم، والتي تضمنتها محاسبته المصرح بها .
فبالنسبة للوثائق المحاسبية تم التنصيص عليها في القانون 88.9 وهي على ثلاثة أنواع: دفتر اليومية ، دفتر الأستاذ ، دفتر الجرد ، أما بالنسبة للوثائق المثبتة لصحة العمليات التي قام بها الملزم، فتنقسم إلى نوعين: وثائق مثبتة للبيع نصت عليها المدونة العامة للضرائب في البند الثالث من المادة 145 حيث يجب على الخاضعين للضريبة أن يسلموا إلى المشترين منهم أو إلى زبنائهم فتورات أو بيانات حسابية مرقمة مسبقا ومحسوبة من سلسلة متصلة أو مطبوعة بنظام معلوماتي ، أما الوثائق المثبتة للشراء فقد نصت عليها المادة 146 من المدونة العامة للضرائب حيث ألزمت أن تكون عمليات شراء السلع والخدمات التي يقوم بها الخاضع للضريبة لدى بائع خاضع للرسم المهني منجزة فعليا ومثبتة بفاتورة قانونية لها قوة الإثبات تحرر في اسم المعني بالأمر.
وحتى تكتسي الوثائق المثبتة للبيع والشراء نوعا من المصداقية، وبالتالي اكتساب المحاسبة حجية الإثبات لابد من تضمينها مجموعة من البيانات، نص عليها المشرع في البند الثالث من المادة 145 من المدونة العامة للضرائب
وبالتالي فإن احترام الشخص الخاضع للضريبة ضوابط مسك المحاسبة، يترتب عليه اكتساب الوثائق المحاسبية قرينة الصحة، ومن ثم يعفى الملزم من عبء الإثبات في حالة قيام نزاع بينه وبين الإدارة الضريبة، بحيث تصبح هذه الأخيرة هي الملزمة بإثبات ما يخالف مضمون المحاسبة.
ثانيا: المحاسبة غير المنتظمة
تكون المحاسبة غير منتظمة إذا كانت ناقصة أو غير صحيحة، أي عندما تكون مشوبة بأخطاء كإهمال تبرير النتائج المصرح بها .
ويترتب على كون المحاسبة ممسوكة بشكل غير منتظم فتح المجال أمام الإدارة الضريبية لرفض محتوى المحاسبة، وبالتالي تأسيس الضريبة على المعطيات المتوفرة لديها وذلك طبقا للمادة 213 من المدونة العامة للضرائب .
فمن خلال المادة 213 من المدونة العامة للضرائب، يتضح أن المشرع حدد على سبيل الحصر الحالات التي تكون فيها المحاسبة غير منتظمة، والتي بناء عليها يحق للإدارة الضريبية استبعادها عند فرض الضريبة أو اعتمادها كوسيلة إثبات في منازعة الملزم في قرار الإدارة .
وعموما فإن المحاسبة تعد مبدئيا حجة على التاجر الذي يمسكها، سواء كان الخصم الذي يحتج بها التاجر أم غير التاجر(الإدارة الضريبية)، فالقيود الواردة فيها هي بمثابة إقرار وهذا الأخير يعتبر حجة على صاحبه ، وهذا ما أكدته المادة 20 من مدونة التجارة التي جاء فيها " يجوز للغير أن يحتج ضد التاجر بمحتوى محاسبته ولو لم تكن ممسوكة بصفة منتظمة".
والقاعدة أعلاه تسري سواء كانت ممسوكة بانتظام أم ال، وسواء كانت إجبارية أم اختيارية، إلا أنها لا تعتبر مع ذلك حجة قاطعة على صاحبها، إذ يمكن لهذا الأخير أن يقيم الدليل على عكس ما ورد فيها بكافة وسائل الإثبات، كأن يثبت خطأ وقع في التسجيل، أو أن القيد المستند إليه طرأ عليه تغيير لاحق دون أن يتم تسجيل ذلك كما لو تعلق القيد بإقرار بدين على التاجر، وأثبت هذا الأخير أنه وفى به لاحقا وأهمل تسجيل ذلك في دفاتره .
الفقرة الثانية: الإقرار
نشير بداية إلى أن الإقرار المنصوص عليه في المدونة العامة للضرائب يختلف عن الإقرار المنصوص عليه في قانون الالتزامات والعقود، فالأول –أي الإقرار الضريبي- يتم أمام الإدارة الضريبية باعتباره أحد الالتزامات المفروضة على الخاضعين للضريبة ، ولا يمكن أن يكتسي إلا الصبغة غير القضائية، في حين أن الثاني-أي القرار الوارد في ق.ل.ع- يتم بمناسبة حدوث نزاع بين شخصين، وهو على نوع قضائي وغير قضائي .
يتضح من خلال مقتضيات المدونة العامة للضرائب أن الإقرار كأحد الالتزامات الملقاة على عاتق الخاضعين للضريبة ، يعتبر آلية مهمة بموجبها يعترف الملزم بالضريبة أمام الإدارة بتحقق واقعة منشئة للضريبة، ومن ثم فهو يثبت وجودها.
ولكي يكتسي الإقرار حجية في الإثبات لابد أن تتوفر فيه عدة شروط-شأنه شأن أي إثبات آخر-أهمها: أن تكون إرادة المقر خالية من أي عيب من عيوب الإرادة، وأن يكون الإقرار واضحا وصريحا، وأن يصدر عن الشخص المكلف أومن يمثله، وأن ينصب على واقعة متعلقة بنشاط المكلف .
ويترتب على تقديم الإقرار وفق الضوابط التي أشرنا إليها أعلاه أنه يمكن صاحبه من الاستفادة من قرينة صحة إقراره، ولما كان نظام الإقرار يقوم على حسن نية الملزم وصدقه، فإنه يحق للإدارة أن تعتمد عليه في تحديد المادة الخاضعة للضريبة، كما يحق لها استبعاده كلما تبين لها عدم صحته أو أنه غير تام، وبالتالي فرض الضريبة بناء على المعطيات المتوفرة لديها .
وإذا كان الإقرار في ق.ل.ع يمكن أن يأتي في شكل شفهي أو في شكل مكتوب، المنصوص فإن الإقرار عليه في م.ع.ض لا يمكن أن يكون إلا مكتوبا في شكل مطبوع نموذجي تعده الإدارة ،غير أن الإشكال الذي طرحته هذه الوسيلة هو الحالة التي ينكر فيها الملزم التوقيع؟
بخصوص هذا الإشكال، قررت المحكمة الإدارية بوجدة الاستعانة بخبرة في تحقيق الخطوط، وبعدما تبين لها أن التوقيع الوارد فيه لا يمكن نسبه للمدعي قررت بالتبعية إلغاء الضريبة المبنية عليه ، غير أن نفس المحكمة، وفي نازلة مشابهة قررت التراجع عن التوجه الأول، وقررت أن التوقيع ليس بيانا إلزاميا، حيث جاء في حكم لها: "... إن إنكار التوقيع الوارد بتلك الإقرارات لا يرتب أي آثار قانونية مسطرية من حيث ضرورة التحقق من صحته عن طريق إجراء خبرة فنية مادام أن المشرع الضريبي لم يستلزم التوققيع على الإقرار المذكور من خلال المواد الضريبية المتعلقة بتقديم الإقرار، ومؤدى ذلك أن تقديم الإقرار داخل الإجل القانوني بالبيانات الشكلية اللازمة لربط الضريبة الخاصة بالملزم يقوم قرين على نسبته إليه..."
المطلب الثاني: الوسائل العامة
يقصد بالوسائل العامة للإثبات الوسائل التي نص عليها قانون الالتزامات والعقود في القسم السابع عليها وهي الاقرار والكتابة واليمين وشهادة الشهود وكذا القرائن، إلا أنه بالنظر إلى خصوصية المادة الضريبية فالأمر يحتم علينا التوقف عند الكتابة في (الفقرة الأولى) والقرائن في (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الكتابة
يعرف الإثبات بالكتابة حسب أحد الفقه بأنه" الاثبات يتم من خلال وثيقة مكتوبة باليد أو بالآلة، وتحمل بالإضافة إلى توقيع جميع الأطراف المعنيين بهذه الوثيقة، توقيع السلطات المختصة عندما يتعلق الأمر بوثيقة عرفية .
وتحتل الكتابة مكانة الصدارة من حيث حجية الاثبات، وتقتبس أهميتها هذه من قوله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ... " كما أن أهميتها تتجلى من خلال تراجع الاثبات بالشهادة- شهادة الشهود- وذاك لعدة أسباب نذكر منها مثلا تراجع الوازع الديني لدى الناس انتشار الحقد والكذب والانتقام بالإضافة إلى مجموعة من الأسباب الأخرى التي عملت لمصلحة الحجة الكتابية وجعلتها تتبوء مكانة الصدارة على مستوى حجية الاثبات، وقد نظم المشرع المغربي الاثبات بالحجة الكتابية في الفصول من 416 إلى 442 من قانون الالتزامات والعقود والكتابة يمكن أن تأخذ أشكال مختلفة، محررات رسمية أو عرفية وتائق محاسبية،... كتابية سجلات مراسلات الاشعار بالتوصيل البريدي .
وتعتبر الكتابة، من الوسائل الإثباتية الأكثر اقناعا، لأنها واضحة ومتكاملة، بالإضافة إلى أن عمل الإدارة الضريبية والتعامل معها يحكمه الأوراق والوثائق وغيرها من الأدلة .
وإذا كانت الكتابة تعتبر الطريق العادي للإثبات في المادة الضريبية، ومن أكثر الأدلة قوة إثباتية، فإن اكتسابها قيمة في الاثبات يستوجب أن تنشأ قبل مباشرة عمليات المراقبة إذ لا يمكن تكوين دليل كتابي أثناء مباشرة الاجراءات .
وعموما فإن الدليل الكتابي لا تكمن أهميته فقط في المرحلة القضائية، وإنما حتى في المرحلة الإدارية، بحيث بناء على الأدلة التي يدلي بها الملزم للإدارة الضريبية تحدد هذه الأخيرة مبلغ الدين، أو تستجيب لطلب الخاضع للضريبة في حالة ادعائه أنه غير ملزم بالضريبة .
الفقرة الثانية: القرائن
عرفها الأستاذ العبدلاوي بأنها ما يستنبطه المشرع أو القاضي من أمر معلوم للدلالة به على أمر مجهول، وعرفها المشرع المغربي في الفصل 449 من قانون الالتزامات والعقود على أنها. دلائل يستخلص منها القانون أو القاضي وجود وقائع مجهولة "ومن خلال هذين التعرفين يتضح أن القرينة ليست وسيلة مباشرة للإثبات، وإنما وسلة غير مباشرة ولقد أخد المشرع المغربي بالقرائن وميز بين تلك التي يضعها وهي إما قاطعة أو بسيطة وتلك التي يستنتجها القاضي من وقائع النزاع .
ويعتبر الفصل 450 من ق.ل.ع بمثابة الأساس القانوني للقرائن القانونية، إذ جاء فيه القرينة القانونية هي التي يربطها القانون بأفعال أو وقائع كما يلي:
1- التصرفات التي يقضي القانون ببطلانها بالنظر إلى مجرد صفاتها الافتراض وقوتها مخالفة لأحكامه
2- الحالات التي ينص فيها القانون على أن الالتزام أو التحلل منه ينتج من ظروف معينة كالتقادم.
3- الحجية التي يمنحها القانون للشيء المقضي به.
أما القرائن القضائية فقد نص عليها المشرع في الفصل 451 من ق.ل.ع والذي جاء فيه على:" أنه القرائن التي لم يقررها القانون موكولة لحكمة القاضي، وليس للقاضي أن يقبل إلا القرائن الخالية من اللبس أو القرائن المتعددة التي حصل التوافق بينها.
وتعد القرائن من أهم وسائل الاثبات في المادة الجبائية من خارج النظام الجبائي، ولذلك تتعدد مجالات استعمالها .
فالقرائن كوسيلة اثبات تستعمل في جميع المراحل التي تمر منها العملية الضريبية، بدءا من الواقعة المنشئة للضريبة، إلى تقدير وعائها إلى مراقبتها والمنازعة فيها.
وكثيرا ما تلجأ الإدارة إلى تحديد وعاء الضريبة أو تصحيح اقرار الملزم بالاعتماد على مقارنته مع ملزمين مشابهين، أو مع سنوات سابقة للسنة موضوع الضريبة وهو ما يشكل واقعة معلومة تحاول الإدارة من خلالها أن تصل إلى واقعة غير معلومة تتمثل في الأساس الحقيق الذي يجب على أساسه احتساب الضريبة الواجبة في حق الملزم.
ولكن اللجوء إلى هذا النوع إلى هذا النوع من القرائن لا يكون مقبولا إلا في حالة عدم وجود وسائل أخرى للتقدير تكون لها حجة أقوى في الاثبات.
خـــــاتـــــــمــــة:
إن موضوع الإثبات في المادة الضريبية لازال يعرف فراغا تشريعيا كبيرا، بحيث لم يتم تنظيمه بموجب المدونة العامة للضرائب باستثناء المادة 140 التي تطرقت لوسائل الإثبات التي لا يجوز للقاضي أن يقضي بها في النزاعات المتعلقة بواجبات التسجيل الأمر الذي جعل مقتضيات قانون الالتزامات والعقود تكون هي الواجبة التطبيق.
وبالتالي فأن تطبيق مقتضيات قانون الالتزامات والعقود لم يكن كافيا لسد الفراغ الذي تعرفه المدونة العامة للضرائب هذا من جهة، ومن جهة أخرى أدى ذلك التطبيق في بعض الحالات إلى الإخلال بمبدأ هام، يتعلق الأمر بمبدأ التوازن بين طرفي العلاقة فالأحكام الواردة في قانون الالتزامات والعقود جاءت لتطبق على المنازعات التي تتم بين الأشخاص العاديين فيما بينهم أثناء قيامهم ببعض التصرفات، وليس على المنازعات التي تتم بين الإدارة التي تعتبر طرفا قويا وبين هؤلاء الأشخاص الذين يوجدون في مركز لا يسمح لهم بالدفاع على حقوقهم في ظل غياب حماية تشريعية .
وعلى اعتبار أن نظام الإثبات في المادة الضريبية يمتاز بخصوصية على مستوى الوسائل التي يمكن اللجوء إليها، بحيث تم استبعاد كل من اليمين وشهادة الشهود في المنازعات المرتبطة بواجبات التسجيل ، وانطلاقا من هذه الخلاصات نقترح ضرورة تدخل المشرع بنص صريح يحدد وسائل الإثبات التي يسمح بالاحتجاج بها في المادة الضريبية.
لائحة المراجع:
المراجع باللغة العربية:
الكتب:
• عبد الرزاق السنهوري " الوسيط في شرح القانون المدني" , الجزء الثاني , نظرية الالتزام بوجه عام : الاثبات – آثار الالتزام , دار النهضة العربية , طبعة 1968
• فؤاد معلال، شرح القانون التجاري المغربي الجديد، الجزء الأول، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة الخامسة 2015
• خالد سعيد، الإثبات في المنازعات المدنية، دراسة علمية، وعملية على ضوء القانون المغربي والاجتهاد القضائي لمحكمة النقض، الطبعة الأولى ،2014دار السلام للطبا عة والنشر والتوزيع – الرباط,
الأطروحات والرسائل:
• عبد الرحمان أبليلا , الإثبات في المادة الجبائية بين القواعد العامة وخصوصيات المادة. أطروحة لنيل الدكتورة في القانون الخاص , كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية , جامعة القاضي عياض مراكش, السنة الجامعية 2006\2007
• المرابط محسنـ،، الإثبات في المادة الضريبية بين قانون الالتزامات والعقود والقانون الضريبي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، ، كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ،السنة الجامعية 2017 2016
المقالات:
• سالم الشوابكة وعبد الرؤوف الكساسبة، وسائل الاثبات امام القضاء الضريبي، مجلة المنازعاات الضريبية وتحصيل الديون العمومية، الجزء الأول، مطبعة المعارف الجديدة، طبعة 2014
• عبد الناصر برادة، القوة الإثباتية لكشوفات الحسابات في حالة التقاضي، المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية، العدد 3، السنة 1988
المراجع باللغة الفرنسية:
• Les théses
- Joseph Richani les preuves dans l’arbitrage international. Thèse pour l’obtention du grade de docteur en droit, école doctorale de droit et des sciences politiques, administratives et économiques, université Libanaise, année universitaire 2013
• Les livres
ا Thierry AFSCHRIFT, traité de la preuve en droit fiscal, deuxième édition, imprimerie larcier 2004l2005
Frédéric DURAND, l’apparence en droit fiscal, lextenso éditions 2009
•
السلام عليكم اذا كان الامر متاحا ان يتم كتابة اسم الكاتب حتى يتسنى انا الاعتماد عليه مع ضرورة كتابة الاحالات
ردحذف